ردّي إليك الكأس... لستُ بصادِ‏

أكرمتُ عن لهو المدام... فؤادي‏

وأعطي لغيري ما ردَدْتُ... لعلها‏

يزكي اللهيبُ بها حقول رمادِ‏

نزّهْتُ نفسي عن دبيب خُمارها‏

حَذَر الهوى... وصبغتها بعنادي‏

أنا كم دفعتُ النائبات براحتي‏

وسحبت من كفّ الزمان قيادي!‏

ألقت بيَ الأيامُ خلف تخومها‏

فعجنتُ من مطر الضَياع رقادي‏

تنداح أجراس الحنين بمسمعي‏

فأمدّ أشرعتي على الأبعاد‏

"هي ضيعة عما أُريد... وغربةٌ‏

فأنا بوادٍ والمراد بوادِ"‏

تركتُ ملاقاةَ الظلام بأعيني‏

مزقاً... وفي قلبي جدارَ سواد‏

فكأنما عينايَ في حَلَك الدجى‏

مزروعتان على غدير سهاد‏

ضاقت بيَ الدنيا برغم فضائها‏

فكأنها وقفتْ على أعواد‏

وطنٌ...‏

يمدُّ ليَ الجفاءَ... وذكرُهُ‏

ينهلُّ بي عيداً من الأعياد‏

أبداً... يدير ليَ الأسى بيمينه‏

وأنا أُدير محبتي وودادي‏

يا من شدا زمن بغُرّة مجده‏

لم يبق فوق غصون مجدك شادِ!‏

لولا دمشق لكنتُ أوّلَ من نعى‏

آماله... ولبستُ ثوبَ حِدادِ‏

هي إصْبَعٌ فوق الزناد.. وصارم‏

أَلِفَ الجهادَ... ونخوة الآساد‏

ما مرة شكتِ العروبة جرحها‏

إلا وهزّت سيفها لجهاد...‏

لحنٌ على شفة الزمان... ولمسةٌ‏

بيد الحنان... ونهْلةٌ للصادي‏

فمتى تزغرد هضبةٌ محزونة‏

بالثائرين... وتستفيق بوادِ؟!‏

ومتى الدم العربي يلبس جرحَهُ‏

ويجول نبْضُ النار في الأجساد؟!‏

يا أيها الوطن الممدَّدُ... كم على‏

أعراشكَ الصفراء من أوغاد؟!‏

شاؤوكَ مقبرة الحياة... ليدفنوا‏

وجهَ الربيع.. وبسمة الأوراد‏

فانفضْ ثيابكَ من صفيق غبارهم‏

إني أغار عليك من أحفادي‏

لا حرَّ فيكَ مُتوّجاً إلا لـه‏

خلف الحدود... وثيقةُ استعباد‏

يخشى على كرسيّه فيصونه‏

ويعيث في باقي الحِمى كالعادي‏

بازٍ...‏

فما هدلتْ لديه يمامةٌ.‏

إلا... وأسكتها عن الإنشاد‏

يغفو على زَنْدِ الإباءِ... وطالما‏

كسَرَ الهوانُ لَهُ جبينَ وساد‏

يا قدسُ!‏

ما حمل الزمانُ سهامه‏

إلا أصابكِ عامداً بسواد‏

أبكي على الأقصى تعفَّر وجهُهُ‏

بالأمس؟‏

أم أبكي على الأمجاد؟!‏

دارت بكِ الدنيا... ونحن كأننا‏

في الأرض مزروعون كالأوتاد‏

دَنِسَتْ محارُمنا لديكِ... ولم نزلْ‏

نجلو مكاحلَ عيشنا المعتاد...‏

لا تنفخي... أو فانفخي بمواقدٍ‏

عبث الزمان بجمرها الوقاد‏

من حزّهُ سيفُ الهوان... وباسَهُ‏

هانت لديه حدائد الأصْفاد‏

موتى...‏

نخيط بذلّنا أوقاتنا‏

متلمّسين مكارم الأجداد‏

لا سيفَ فينا تستضيء به العُلا‏

"طُويتْ سيوف الفتح في الأغماد"‏

وإذا البنادق أجهشتْ في صمتها‏

فلأنها أضحتْ بغير زناد...‏

لكِ من بنيك أصابع إن أُشرعتْ‏

أدمَتْ أظافرُها يدَ الجلاد‏

وسواعد بإبائها مسنونة‏

وخناجرٌ ـ فوق الجراح شواد‏

تركوا أمانيَّ الحياة.... وشَجْوَها‏

ومضوا إليكِ على دروب قتاد‏

نهضَتْ بهم هِمَمٌ ليبني خطوُها‏

بدم الفداء... منائر استشهاد‏

لم يحْملوا إلا خيوطَ جراحهم‏

حتى يخيطوا المجد بالأكباد...‏

أفدي بهم بارودةً محشوَّةً‏

بمداد عزمٍ... أو نجيع فؤاد‏

ما زغردت... إلاَّ وشَّق هتافُها‏

كالنجم... أستارَ الظلام البادي‏

يمشي بها تحت المجرّة ثائرٌ‏

حمل الرصاص.. كفى به من زاد‏

عيناه... أُفقٌ للنسور... وكفُّهُ‏

سيفٌ يحزُّ أصابعَ الجلاد‏

يهوي... لكي يعلو جبينُ فخاره‏

ميتاً...‏

ويكتبَ ساعةَ الميلاد‏

وبنار بركانٍ تزنَّرَ خصرُهُ‏

ومشى به صمتٌ إلى ميعاد‏

يا قدس! ما نشفتْ دماؤكِ.. أو كبا‏

عَزْفُ الجهاد.. ولا صهيل جياد‏

سَيْفِيءُ هذا الليل عنكِ... وترتمي‏

بغدٍ... مساحبُ فجركِ الميّاد‏

لي من جراحكِ شمعتان...‏

فَشمعةٌ‏

لكِ في النضال...‏

وشمعة لبلادي‏

25 ـ 12 ـ 2003‏