الشرط الرابع
|
الشرط الرابع دخلت عليّ أمينة السرّ، وهي تقول: -شاب يطلب مقابلتك نظرت إليها سائلاً: -هل هو على موعد؟ -لا، أبداً -اصرفيه إذن -ألحّ عليّ وأسألها: -ماذا يريد؟ -أكد أهمية مقابلته لك أتردّد، ثم أقول لها: -دعيه يدخل أنظر إلى ساعة يدي، وإذا هي تقترب من الواحدة، أنادي أمينة السر، قبل أن تخرج، أقول لها: -وعدتني ابنتي أمل أن تتصل بي عند الواحدة، حوّلي مخابرتها إليّ مباشرة. وجه شاحب، شاحب جداً، كورقة الخريف، والخدّان غائران، وعظم الوجه ناتئ، مثل صخرة في سفح جبل. نظارتان مدورتان، صغيرتان جداً، سوداوان تلتمعان، مثل خفاش. أمام المكتب يتقافز، كأنه يدوس على جمر، يدخل أصابعه في شعره المرفوع إلى فوق مثل قنفذ، أذناه ناتئتان مثل تينتين وحيدتين في شجرة سقط كل ورقها. يمدّ إليّ يده، ليصافحني. أشد على يده، ترتعش أصابعه مثل أعواد متكسّرة. ما يزال أمامي، وهو يتقافز، كأنه يدوس على جمر. قميصه الأحمر المخطط بالأخضر طولاً وعرضاً مفتوح عن صدر غائر، أملس، لامع، لا شيء من الشعر فيه. يضع كوعه على المكتب، يستند، يميل عليّ بوجهه، يزكمني بخر فمه، أسنانه سوداء نخرة، شفتاه غليظتان، منفرجتان أبداً، يتكلم، وهما منفرجتان. مثل زجاج يتكسر يأتيني صوته: -السكرتيرة لم تسمح لي يلتقط قلماً من فوق المكتب، يحمله بين إصبعيه، كأنه يحمل سيكارة، يضعه بين أسنانه، يرفعه، يحكّ به شعره. -لا تعتب عليّ، صوتي مخرّش، الآن خرجت من الاستوديو، ست ساعات وأنا أجري بروفات فيديو كليب، أنا مرهق، مرهق جداً. أسأله: -ماذا تريد؟ يرفع نظارتيه، عيناه صغيرتان، صغيرتان جداً، إحداهما تحدّق في شهادة الدكتوراه في الحقوق المعلقة على الجدار ورائي، والأخرى تحدّق في ثوب القضاء المعلق على مشجب في زاوية الغرفة على شمالي. يحاول الكلام، صوته يتكسّر: -أنا.. أنا ويرنّ جرس الهاتف، أرفع السماعة، يأتيني صوت أمينة السر: -ابنتك أمل على الخط وأتكلم: -أهلاً أمل، من أين تتصلين بي؟ من البيت؟ ويأتيني صوتها: -من الجامعة، الآن انتهيت من أول جلسة عملية -وكيف كانت؟ -آه لو ترى، إحدى الزميلات أغمي عليها، وزميل آخر أصيب بالغثيان. -وأنت؟ -أنا على استعداد الآن للدخول إلى غرفة العمليات، والمشاركة في أي عملية. أنتَ؟! آه، أنتَ أنسيتّني أمل والجامعة والطب، لو كنتَ أنتَ في غرفة العمليات، مخدراً، تحت يدي أمل، لتجري مبضعها في جسدك وصوتك. ويأتيني صوت أمل سائلة: -هل عندك أحد؟ -لا، لا، تكلمي. وتردّ كأنها تكلم نفسها: -غير معقول، هو وعدني. وتصمت فجأة، فأتكلم: -عندي شاب، دخل للتو، من غير موعد -وهل يضع نظارتين سوداوين صغيرتين؟ وأنظر إليه، كأني أرى وجهه الضفدعي أول مرة، فإذا شدقه ينشق عن ضحكة مثل شق في جبل. وأردّ: -نعم. وتتكلم: -هو الشاب الذي حدثتك عنه، هو خطيبي. |